الأربعاء، 19 نوفمبر 2008

عندما يكون للعدالة دين وجنسية

كانت هناك فتاة تدعى نهى رشدي, تعمل ممثلة ومخرجة شابة, تسير في إحد الشوارع متجهة إلى منزلها عندما إعترض طريقها شخص غريب جذبها من صدرها أثناء ركوبه السيارة قاصداًَ التحرش الجنسي بها ولما حاولت الإفلات من بين أصابعه سقطت أرضاًَ بينما لاذ الرجل – كالعادة في هذه المواقف– بالفرار ...الصدفة وحدها أوقعته في شر أعماله عندما إستوقفته إشارة مرور لم يفكر حتى في كسرها والهروب بجريمته, أغلب الظن أنه تحرش بالعديد من الفتيات حتى ظن أن الأمر حقاًَ مكتسباًَ يمارسة بشكل روتيني ويومي دون أن يتوقف لحظة للتفكير في النتائج السلبية النفسية والجسدية التي يسببها لضحاياه, إلى هنا والوضع – رغم فجاجته– يتكرر بشكل يومي لفتيات من كافة الأعمال والأوساط الإجتماعية والدينية والثقافية, وحتى للمحجبات والمنقبات ممن يبطلن الحجج الواهية للمتحرشين بأنهم يتحرشون بالفتيات المثيرات فقط, الغير عادي في كل ما حدث هو تصرف نهى رشدي, حيث قررت الهجوم على الشخص المتحرش والتصميم على إقتياده للقسم وسط رد فعل متخاذل من الرجال المحيطين بها في الشارع ممن نفترض فيهم شهامة ولاد البلد التي يبدو أنها ضاعت بين جنبات مجتمع يتخبط من أثر الضربات الإقتصادية والإجتماعية والسياسية التي تلاحقه.
خلاصة الأمر أن الموقف تحول لقضية إستمرت حتى حصل الشاب المتحرش (شريف جبريل) على حكم بالسجن لمدة ثلاث سنوات وسط تأييد شبه جماعي من كافة منظمات حقوق الإنسان وحقوق المرأة في مصر والعالم ...هل يمكن أن يمر الأمر بهذه البساطة؟ من الممكن أن يكون فعلاًَ الأمر بهذه البساطة إذا كان يحدث في أي بلد غير مصر.. أما في مصر بلد العجايب فكان يجب أن تتحول القضية إلى قضية مثيرة للجدل, عندما يعلن المحامي نبيه الوحش المشهور بحبه لإثارة الجدل ورفع قضايا ضد الفنانات سرعان ما يتم حفظها بعد أن تحدث بلبلة إعلامية لا سند قانوني ورائها... أعلن نبيه الوحش اليوم أن نهى رشدي إسرائيلية وتحمل جواز سفر إسرائيلي وهي من عرب 48 في يافا، وأنها أبلغت السلطات بسوء نية, وإستدل المحامي على ذلك بأن الفتاة المشكو في حقها تجيد مثل هذه القضايا وإستطاعت أن تستغل الإعلام الغربي والمصري وجذبه لقضيتها، والذي صورها على أنها شهيدة التحرش الجنسي، خاصة أن الواقعة واكبت واقعة التحرش الجنسي التي وقعت في المهندسين في يوليو الماضي، الأمر الذي أثر تأثيراً مباشراً على سير العدالة، ونال المتهم حكماًَ بالسجن ثلاث سنوات. وأكد الوحش في بلاغه على أنها أدمنت تحرير قضايا التحرش الجنسي ضد آخرين، ومنهم على سبيل المثال قضية ضد ضابط شرطة فرنسي أثناء وجودها بفرنسا وحصلت منه على تعويض كبير, هذه هي القصة التي شغلت الرأي العام في مصر, فقد تعاطف الجميع مع نهي رشدي قبل أن يعرفوا إنها تحمل الجنسية الإسرائيلية فهم يرون طالما إنها إسرائيلية لا حق لها ولا يعقل أن يسجن مصري مسلم من أجل فتاة إسرائيلية حتى محاميتها أعلنت إنضمامها ودفاعها عن الخصم وهو ضد شرف المهنة التي تمارسها وكان يجب على نقابة المحاميين أن تحولها للتحقيق وإذا ثبت حقاًََ إنضمامها للخصم يجب فصلها من النقابة, ويا للعار فحتى الذين إستمروا في تأييدهم لنهى دافعوا عنها لإنها من عرب 48 وهم بذلك لا يختلفون كثيراًَ في طريقة تفكيرهم عن الذين هاجموها فالحق يجب أن لا يكون له جنسية ولا دين فمن يثبت له حق يجب أن يحصل عليه مهما كانت ديانته أو جنسيته ومن يخطأ يعاقب مهما كان دينه وجنسيته أيضاًَ, تقودنا مأساة نهى رشدي للمأسي التي يعاني منها الأقباط فنفس الفعل يجرم لو أرتكبه قبطي ويمر مر الكرام لو كان الجاني مسلم. فكل الذين إرتكبوا جرائم قتل وحرق كنائس وممتلكات الأقباط لم يعاقب منهم واحد والكل يحصل على البراءة, وإذا زوج مأذون مسلم فتاة مسيحية لمسلم حتى لو كانت قاصر كما حدث مع فتاتي المنصورة ماريان وكريستين فلا حرج ولا مساءلة ولكن لو زوج كاهن فتاة مسلمة بشاب مسيحي فيعاقب بالسجن خمس سنوات حتى لو كان لا يعلم بإنها متنصرة, وعندما تخطف فتاة مسيحية تحمي الشرطة الخاطف وتنبري وسائل الإعلام في الدفاع عنه ولتشرح وتوضح إن الفتاة غير مخطوفة وهي تمارس حريتها الشخصية في إختيار زوجها ودينها, وبسرعة تستخرج لها الأوراق بإسمها ودينها الجديد حتى إنها وبالقانون تعفى من رسوم التسجيل في الشهر العقاري, بينما لو أرادت الفتاة الرجوع للمسيحية مرة أخرى فيقف القانون والعدالة في طريقها ناهيك عن من يريد التحول من الإسلام للمسيحية فتسد الأبواب في وجهه ويبقى طريق وحيد أمامه هو الهجرة والهروب من جحيم العدالة المصرية, وفي كل القوانين الحضانة من حق الأم ولكن لو أسلم الأب تحكم له المحكمة بحق الحضانة لأن الأم غير أمينة على تربية الأطفال حتى لو كان ذلك ضد رغبة الأطفال, وما ماريو وأندرو إلا نموذج لعديد من الحالات وصل عددها لمائة وخمسين حالة وهناك حالات وأمثلة كثيرة لا يسع المقال لحصرها. العدل هو الحق, والحق يجب أن لا يفرق بين إنسان وإنسان بسبب دينه أو جنسه أو لونه أو جنسيته, هذا هو العدل الذي نعرفه أما العدل في بلدنا المحروسة فهو شيء أخر يلونون العدالة ويشكلونها ويفصلونها لأنفسهم مع إنهم يقولون لعن الله قوم ضاع الحق بينهم!!

ليست هناك تعليقات: